rama
الجنس : عدد الرسائل : 422 العمر : 34 نقاط : 518 تاريخ التسجيل : 23/03/2009
| موضوع: باتجاه التربية والتعليم الإثنين فبراير 21, 2011 1:14 am | |
|
كل منا يحمل تصورات معينة لنفسه ولمجتمعه وبيئته ولكل ما يحيط به بل وما لا يحيط به (من خلال ما تسهم به وسائل الإعلام ) , وسلوكنا – غالباً – ما هو إلا انعكاس لما وَقَر في "أرشيف " اللاوعي / العقل الباطن من تصورات ... وروافد تكوين هذه التصورات حواسنا من خلال ما نراه ونقرؤه ونسمعه ونحسه . ومن عجب أن ذهنية الإنسان يمكن أن تستنبت فيها كثير من التصورات التي تتحول إلى قناعات حتى لو كانت مجافية للواقع . ومن ثَمّ فقد لعبت الخرافات والأساطير – إبان طفولة الفكر البشري - دورا في حقْن كثير من الصور الذهنية و تأطيرها على أنها حقيقة واقعة لا تقبل التشكيك أو الجدل . وفي العصر الراهن اتسعت الدوائر المغذّية للصور الذهنية بفعل ما تبثه وسائل الإعلام من كم هائل من المواد و الصور التي تسهم في تشكيل ذهنية المتلقي الذي يقابلها ـ غالبا ـ بالقبول والتسليم . ويدرك المهتمون بهذا الشأن أن الإحالات والرسائل غير المباشرة هي الأكثر خطورة لأنها تتسلل بانسيابية عالية إلى العقل الباطن فتفعل فعلها في التفكير وفي السلوك . إذا أدركنا كل ما تقدم عرفنا أن شأن التربية اليوم لم يكن كما كان قبل عدة عقود حيث كان المعلم المصدرَ الرئيس للمعرفة و للتربية أيضاً وكانت الأسرة تؤدي دوراً أقل أهمية في الأمرين , ولذا كان الطفل يَعْتبِر المعلم دائماً على حقٍّ وصوابٍ ومعرفةٍ تنال شتى جوانب الحياة , لعدد من الأسباب , منها أن الطفل لم يكن يعرف إلا الجانب الأكثر إشراقاً في حياة معلمه , على حين يعرف في حياة أسرته الجوانب المشرقة والمظلمة أيضاً , ذلك الدور المحوري الذي كان يتسنمه المعلم قبل عدة عقود بدأ في الاضمحلال شيئاً فشيئاً لصالح روافد أخرى للمعرفة والسلوك وقد يكون من أهمها وسائل الإعلام ( بما في ذلك الانترنت بطبيعة الحال ) . وإذا كان تأثير المعلم في شخصية الطفل قد تغير فهو لم يعد كما كان عليه من قبل ، فإن هذا يضع مسؤولية عظيمة مشتركة على الأسرة وعلى المعلم على حد سواء , لكيلا يفقد أيّ منهما دوره الريادي والتأثيري المناط به , لكن علينا معشر الآباء والمربين أن ندرك أن الوسائل التي رُبينا بها ليست بالضرورة ناجحة وناجعة اليوم , والحديث في هذا السياق متشعب جداً وسأقبض منه على النقاط التالية – بما يتناسب وهذه المساحة - من خلال محورين رئيسين : المحور التربوي : أ- إن علينا أن نصرف جزءاً من اهتمامنا لبرمجة العقل الباطن / اللاوعي , وذلك بأن نحقن ذهن الطفل بمجموعة من القيم والمبادئ بشكل مباشر تارة وبشكل موحٍ غير مباشر تارات أُخر . التوجيهات المباشرة للطفل لا تؤتي أكلها دائماً , وقد يلاحظ المربون أن الطفل يسير باتجاه معاكس لما يحاولون أن يغرسوه في ذهنه من قيم وسلوك ! ومن ثمَ فإن عليهم أن يجربوا أكثر من طريقة للوصول إلى بعض ما يريدون , ومن ذلك بطبيعة الحال الاعتماد على الإيحاء بديلاً أو موازياً للمباشَرة , فإذا قال المربي للطفل : " لا تكذب فالكذب جريمة " , ثم " اقترف " المربي نفسه الكذب أمام الطفل , فهذا الأمر سيؤدي إلى زعزعة القيمة التي حاول أن يغرسها بل يؤدي إلى نسفها بالكلية , فالطفل – فيما يبدو - يستجيب للسلوك الفعلي أكثر من استجابته للتوجيهات اللفظية المباشرة , و من ثَمّ قال ابن القيم " علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم , فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا , قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم . فلو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول المستجيبين له , فهم في الصورة أدلّاء وفي الحقيقة قُطّاع طرق " ( الفوائد 71) . وفي هذا الصدد نقدم التوصيتين التاليتين : - الأولى : على المربي أن يكون على دراية بمهارات الإيحاء وكيفية استخدامها بالشكل المفيد , لأن " الرسائل " الإيحائية تنبعث بقصد وبغير قصد لكنها قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية , و قد تكون من خلال " الفعل " أو " القول " , وليست كما قد يتصور البعض أن العلم بها قد ينفع لكن الجهل بها لا يضر , بل إن الجهل قد يورث ضرراً كبيراً لأن المربي قد يرسخ سلوكاً مشيناً وعادة سيئة من حيث يظن أنه يرسخ قيمة عالية وهذا حاله كحال من لا يفرق بين الماء و " الكيروسين " فإذا أراد أن يخمد النار صب عليها الكيروسين بدلاً من الماء لأنه لا يدرك الفرق بين الماهيّتين . إن الشركات وهي تنفق الملايين على الإعلانات التلفزيونية لا تفعل ذلك من باب السخاء أو السذاجة , وإنما لأنها تدرك جيداً ما تفعله " رسائلُ " الإيحاء التي يبثها الإعلان في عقول المستهلكين وسلوكهم مما تؤمل من ورائه رفع كمية مبيعاتها وقيادة عقول المستهلكين ! - الثانية : علينا أن نظهر بالشكل اللائق أخلاقياً وسلوكياً أمام أطفالنا , فليس من المعقول أن نحذر أبناءنا من التلفظ بألفاظ سيئة مثلاً على حين يسمعونها منا عشرات المرات في اليوم الواحد ! وفي الواقع تحتاج الكثير – ربما – من الأسر إلى إعادة تأهيل في هذا الجانب على وجه التحديد . ب - الحرص على تقديم تربية متوازنة قدر الإمكان تعنى بالأبعاد المختلفة لشخصية الطفل , تتمثل في تقديم جرعات تعنى بالبعد الروحي والنفسي , وأخرى تعنى بالبعد العقلي , وثالثة بالبعد البدني والجسماني , ورابعة بالبعد الاجتماعي , ولا نستطيع في هذه العجالة التفصيل في هذه الأبعاد و من ثم نُحيل القارئ إلى كتاب " عصرنا والعيش في زمانه الصعب " للأستاذ الدكتور عبد الكريم بكّار .
المحور العلمي : أ- تعزيز مهارة التفكير , ليس التعليم هو مجرد " الحفظ " أو استصدار نسخ جديدة من المقرر في أذهان الطلاب , على أن الحفظ ليس شيئاً مذموماً ، ولكن المذموم أن يكون " الحفظ "هو ما يقصده ويهدف إليه المربي ! . مشكلة التعليم الذي يعتمد على التلقين والحفظ أنه لا يؤهل الطالب للتعامل مع الإشكالات الجديدة التي تعترض سبيله أيا كان نوع تلك الإشكالات , ولذا نحتاج أن نعلم طلابنا طريقة تفكيك الإشكال وإعادة تركيبه ومهارة التعامل مع ما يستجد , ولو أردنا أمثلة حية تعزز هذه الفكرة فليس بمنأى عنا ما يعانيه أبناؤنا جراء اختبارات " قياس " , وهذه المعاناة ترجع ببساطة شديدة إلى أن الطالب تعود أن ينسخ المقرر في ورقة الإجابة ، ولسان الحال يقول : أن هذه بضاعتكم ردت إليكم , والمؤسف حقاً أن بعض المربين ربما لا يقبل من الطالب شيئاً غير هذا , فحتى لو " استقل " الطالب عن السائد وأجاب وفقاً لأشياء جديدة اطلع عليها ولم يذكرها المقرر يكون نصيبه بخس الدرجات مهما تكن درجة صوابه ، والسبب ببساطة أن الإجابة بهذه الصورة التي " اجترحها " الطالب ليست في الكتاب المدرسي ! إن علينا أن نعرف كيف نحفز ذهن الطالب للتفكير في إشكالات معينة لم ترد بنصها في المقرر من خلال التحوير والتعديل في المعلومات " الخام " التي يمتلكها ليستطيع أن يصوغ منها حلاً مناسباً لذلك الإشكال , وعلينا كذلك أن نمنح الطالب هامشاً جيداً للتفكير والاختلاف من خلال طرح بعض الأسئلة " المفتوحة " التي تكون إجاباتها احتمالية , وتتعدد بتعدد أوجه النظر فيها . ب- ينبغي أن نملك من الجرأة ما يؤهلنا إذا لم نكن نعرف شيئاً أن نقول بكل أريحية " لا أعرف " ، وهذا ما كان عليه حال علماؤنا الأوائل حتى قالوا إن نصف العلم " لا أدري " , وحتى قالوا " إذا أخطأ العالم لا أدري فقد أصيبت مقاتله " . المؤسف حقاً أن " لا أعرف " صارت غربية جداً على كافة المجالات و الأصعدة ومن ذلك الشأن التربوي , حيث يجد بعض المربين حرجاً من الصدع بهذه الكلمة فيلجأ إلى سياسة الالتفاف على السؤال متحذلقاً تارة وقامعاً تارة أخرى – حتى على مستوى التعليم الجامعي والعالي – , على أنه ليس من العيب أبداً أن يعترف أنه لا يدري ، وأن يعد أنه سيبحث المسألة ويفتش عن المعلومة . صحيح أن الوعي الجمعيّ لم يعتد على هذا في الوقت الراهن لكن علينا ألا ننصاع لهذه الممارسة الخاطئة من لدن الوعي الجمعيّ ، و أن نمتلك من الاستقلال الفكري والحرية العلمية والشجاعة الأدبية ما يمكننا من مجابهة هذه الظاهرة . إن علينا أن نؤكد لطلابنا " نسبية المعرفة " فلا أحد يعرف كل شيء ، وكلما اتسعت دائرة علم أحدنا اتسعت دائرة جهله !! , كما ينبغي أن نقدم الإجابات " المرنة " ساعتئذ نقدم معلومات اجتهادية , فنُصْحِبها ألفاظاً من مثل : " فيما يبدو " , " الذي يظهر لي " , " قد يكون " ... لأنه في الواقع ليس من صالح أحد أن نقدم الإجابات الجازمة الحاسمة والنهائية حول قضايا هي محلّ نظر واجتهاد . وعلينا في ذات الصدد أن نحفّز الطالب على البحث عن المعلومة ، ونذلل له العقبات التي تعترض سبيله , و أن نعينه ليقف على الإجابة بنفسه , وأن نُذْكي في نفسه فضيلة السؤال , فالسؤال مفتاح من مفاتيح العلم حتى لقد قالوا عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس إنه أوتي لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً .
بقلم / أ. عبد الرحمن حسن البارقي | |
|
جنة السحر
الجنس : عدد الرسائل : 840 العمر : 34 نقاط : 894 تاريخ التسجيل : 08/04/2009
| موضوع: رد: باتجاه التربية والتعليم الجمعة مارس 18, 2011 4:56 pm | |
| شكرااااااااااااااااااااااااااا | |
|