بعدما أستقرت الأمور لمعاوية بن أبي سفيان بعد الصلح مع الحسن بن علي كتب لوالي الكوفة بأن يوفد عليه أم الخير لدمشق.
وجهت أم الخير إلى الشام للقاء أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان فلما قدمت مع معاوية أنزلها بيتاً مع الحرم ثلاثة أيام ثم أذن لها في اليوم الرابع بالدخول عليه.
وبعد السلام ، قال معاوية أخبرينا كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر رضى الله عنه؟
قالت أم الخير ، لم أكن والله رويته قبل ، ولا زوّرته بعد ، وإنما كانت - يومها - كلمات نفثهن لساني عند الصدمة ، فإن شئت أن أحدث لك مقالاً غير ذلك فعلت وقلت.
قال : لا اشاء ذلك يا أم الخير.
ثم بعد ذلك التفت معاوية إلى أصحابه وجلسائه فقال لهم : أيكم يحفظ كلام أم الخير يومذاك؟
فقال رجل من القوم : أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي لسورة الحمد.
فقال معاوية : فهاته.
قال : نعم ، كأني يا أمير المؤمنين في ذلك اليوم ، وعليه برد زبيدي كثيف النسج ، وهي على جمل أرمك - رمادي اللون - وقد أحيط حولها حواي وبيدها سوط منتشر الضفيرة وهي كالفحل يهدر في شقشفته تقول :ـ
أيها الناس أتقوا ربكم أن زلزلة الساعة شىء عظيم ) أن الله عز وجل قد أوضح الحق وأبان الدليل ونور السبيل ورفع العلم ، فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا سوداء مدلهمة ، فإلى أين تريدون رحكم الله؟ أفرراً عن أمير المؤمنين – علي - أم رغبة عن الاسلام – أ وارتداداً عن الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول ( ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ) هلموا رحمكم الله إلى الامام العادل ، ثم قالت ( فاقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا أيمان لهم لعلمهم يفقهون ) صبراً معشر المهاجرين والانصار ، قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم ، فإني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة ) لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض ، باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى ( عما قليل ليصبحن نادمين ) حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الاقالة ( ولات حين مناص )ثم قالت : إلى أين تريدون رحمكم الله ؟ عن أبن عم رسول الله وزوج ابنته ، ... ها هو مفلق الهام ، ومكسر الاصنام ، إذ صلى والناس مشركون ، وأطاع والناس مرتابون ، قد اجتهدت في القول ، وبالغت في النصيحة ، وبالله التوفيق ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقال معاوية :
والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي
واله لو قتلتك ما جرحت ( أثمت ) في ذلك
قالت : والله ما يسؤوني أن يُجرى الله قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه.
ومن روائع أقوالها ( يوم صفين ) قالت ( الله أنه قد عيل الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشرت الرغبة ، وبيدك اللهم ازمة القلوب فأجمع اللهم الكلمة على التقوى ، وألف القلوب على الهدى ).
- من كتاب / نساء من عصر التابعين - للدكتور / أحمد خليل جمعة