نبوءة ورقة بن نوفل
ذهبت خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، بعد أن سمعت ، ما ذكر لها غلامها ميسرة ، من قول الراهب ، وحديثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر الملكين اللذين كانا يظلانه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وقصت على ابن عمها : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب السماوية ، وعلم من علم الناس ، ما سمعت من غلامها ميسرة فقال ورقة
لئن كان هذا حقا يا خديجة ، إن محمدا لنبي هذه الأمة ، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه
الحكم العادل
لما بلغ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم خمسا وثلاثين سنة ، عقدت قريش العزم على إعادة بناء الكعبة وترميمها ، بعد أن أصابها سيل أتى من جبال مكة المحيطة بها ، أضر بها ، وخافت قريش ، إن هي أهملت الكعبة ، أن تتهدم ، وهى إرث أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام ، الذي رفع قواعدها مع ابنه إسماعيل عليه السلام ، إلا أن قريشا كانت تهاب هدم الكعبة لإعادة بنائها وسقفها ، وذلك أن حية كانت تخرج من بئر الكعبة ، وتعلو سقفها ، فإن اقترب أحد ، فتحت فاها ، وأخرجت صوتا مخيفا ، إلا أن الله عز وجل ، بعث إليها طائرا فاختطفها فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما عزمنا عليه ، فعندنا العمال المهرة ، وعندنا الخشب ، وقد أذهب الله عنا هذه الحية وبدأت قريش ببناء الكعبة ، بعد أن تقاسمت الأعمال فيما بينها ، فكان جانب من الكعبة لبني عبد مناف ، وجانب لبني مخزوم ، وجانب لبني عبد الدار ، وهكذا ، وتقدم الوليد بن المغيرة ، حاملا المعول ، وبدأ بهدمها قائلا: اللهم لم نزغ فإنا لا نريد إلا الخير فتربص الناس تلك الليلة ، وقالوا: لننتظر حتى الصباح فإن لم يصيب الوليد بن المغيرة بأذى ، تابعنا هدمها ، فأصبح الوليد من ليلته متجها نحو عمله فهدم وهدم معه الناس ، بعد أن اطمأنت نفوسهم
ثم اتجهت القبائل من قريش ، لتجمع الحجارة لبناء الكعبة ، كل قبيلة تجمع على حدة ، وكل قبيلة تبني في الموضع الذي خصص لها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن ، فاختلفوا فيه واختصموا ، كل قبيلة تريد أن تحظى بهذا الشرف الرفيع ، واحتدم النقاش فيما بينهم ، وعلت أصواتهم ، وأعدوا للقتال ، وتحالف بعضهم فيما بينهم ، بعد أن غمسوا أيديهم في جفنة مملوءة بالدم ومكثت قريش تترقب أربع ليال أو خمسا ، إلى أن تداعت بمشورة كبارهم للاجتماع وقف أبو أمية بن المغيرة ، خطيبا في قريش ، وكان أكبرهم سنا ، قال: يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه ، أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، فرضيت قبائل قريش بهذا الاقتراح
فكان أول داخل عليهم ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما رأوه استبشروا وقالوا: هذا الأمين قد رضينا به 0 فلما وصل إليهم قصوا عليه الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "هلم إلى ثوبا" فجاؤوا به ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفتحه ثم وضع الحجر الأسود فيه ثم قال : "لتأخذ كل فبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا" ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه ، أمسكه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ووضعه بيده الشريفة ، ثم بنى عليه وكانت الكعبة على عهد ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثماني عشرة ذراعا ، وكانت تكسى القباطي ، ثم كسيت البرود
النبوءة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
معرفة الكهان بمبعثه
كان الكهان من العرب ، تأتيهم الشياطين من الجن بأخبار ، يسترقونها من السماء، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحان موعد مبعثه ، منعت الشياطين عن السمع ، وحجبت أخبار السماء عنها ، وأبعدت عن المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراق السمع ، ورميت بالشهب ، فعرفت الجن ، أن ذلك الأمر حدث لأمر خطير وحدث جلل ، ولذلك بين الله تعالى لنبيه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين بعثه ، خبر الجن ، إذ حجبوا عن السمع ، وعرفوا ما عرفوا ، لكنهم أنكروا بعد ذلك ما رأوا ، يقول الله سبحانه وتعالى
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا
إلى أن يقول الله سبحانه وتعالى
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا
مما يروى أن بني مذحج الذين كانوا يسكنون اليمن ، كان لهم في الجاهلية كاهن ، فلما ذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتشر خبره بين العرب ، قال بنو مذحج لكاهنهم: انظر لنا في أمر هذا الرجل فرفع الكاهن رأسه إلى السماء طويلا ، ثم جعل يثب وقال: أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه ، وطهر قلبه وحشاه ، ومكثه فيكم أيها الناس قليل
معرفة اليهود به ، صلى الله عليه وآله وسلم
كان اليهود ، وهم أهل كتاب ، يعلمون بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك كانوا يقولون للمشركين من قريش : أنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه ، قتل عاد وإرم {9} ، ولذلك أسلم كثير من المشركين ، وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما كانوا يسمعون من اليهود ، أما اليهود أنفسهم ، وهم الذين كانوا يعلمون بقرب مبعثه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كفروا به لا بل حاربوه محاربة عظيمة ، وحاولوا قتله ، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل ، وذلك أن الله عز وجل كان يريد لنوره أن يتم وأن يعم الإسلام جميع أنحاء المعمورة يقول الله سبحانه وتعالى ، يصور حال هؤلاء المارقين ، قتلة الأنبياء والمرسلين
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين
ومما يذكر ، أن يهوديا وقف في جماعة من أهل قريش ، يحذرهم ويذكر بيوم القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ، وقال: إن ذلك يكون لأهل الشرك ، عبدة الأوثان ، الذين لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت ، فقالوا له: أو تري هذا كائنا ؟ ! أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم فقال اليهودي: نعم فقالوا له : فما آية ذلك ؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذا البلاد فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، آمن به بعض أهل قريش ، أما اليهودي فقد كفر به بغيا وحسدا
معرفة النصارى به : صلى الله عليه وآله وسلم
عرف كثير من النصارى بقرب مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أن عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، قد بشر به في الإنجيل ، وقد ورد اسمه علية الصلاة والسلام باسم : البار قليط ، ومعناه باللغة العربية : أحمد كما جاء في القرآن الكريم ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى
وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد
كذلك ورد اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم: المنحمنا باللغة السريانية ، وتعني باللغة العربية : محمد ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم باللغة الرومية البرقليطس ولهذا فقد أكرم ملوك النصارى رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكاد بعضهم أن يعلن إسلامه ، لا لشيء إلا لعلم هؤلاء يأتي من بعد عيسى عليه السلام اسمه: أحمد صلى الله عليه وآله