السرايا والغزوات
بدأ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد أن استقر في المدينة المنورة ، وجعلها قاعدة لانطلاق جيوشه ، باعتراض قوافل قريش التجارية ، سواء تلك التي تخرج من مكة ، أو تلك التي تقدم من الشام ، فيعمل على مصادرتها ، وذلك عقابا لهؤلاء الذين نكلوا بالمسلمين وعذبوهم ، ولإضعاف قوتهم الملية وليوض للمهاجرين بعض ما تركوه في مكة من مال ، ففي السنة الأولي من الهجرة ، وفي شهر رمضان المبارك ، بعث النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عمه حمزة بن عبد المطلب ، رضي الله عنه ، على رأس ثلاثين رجلا من المهاجرين في سرية ليعترضوا قافلة لقريش عائدة من الشام إلى مكة وعلى رأسها أبي جهل عمرو بن هشام ، لكن السرية تلك عادت إلى المدينة دون قتال ، بعد أن حجز مجدي بن عمرو الجهني بين الفريقين ومنع قتالهم ، فشكر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، صنيع مجدي بن عمرو ، وذلك لقلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين الذين كانوا يبلغون ما يزبد عن ثلاثمائة رجل . وبعد شهر واحد ، بعث النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين رجلا من المهاجرين لملاقاة قافلة تجارية للمشركين كان على رأسها أبو سفيان بن حرب الأموي ، وتتألف من مئتي رجل ، وأخذ الطرفان يتبادلان رماية السهام والرماح ، حتى انهزم المشركون خشية أن يكون للمسلمين كمين ، وفي هذه المعركة كان سهم سعد بن أبي وقاص أول سهم أطلق في الإسلام ، وعاد المسلمون إلى المدينة سالمين ، بعد أن التحق بهم : المقداد بن الأسود الكندي ، وعتبة بن غزوان المازني ، واللذين أسلما فرضي الله عنهما ، كما بعث رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد شهر واحد أيضا سرية بقيادة سعد بن أبي وقاص ، في عشرين من المهاجرين ، لاعتراض قافلة تجارية لقريش ، إلا أن هذه السرية عادت إلى المدينة دون قتال وذلك لأن القافلة التجارية قد فاتتهم . وفي السنة الثانية للهجرة ن تابع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، تصديه للمشركين وقوافلهم التجارية ، فكان أن قاد بنفسه أربع غزوات ، ما عدا سرية واحدة أعطى قيادتها لعبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه . ففي شهر صفر من السنة الثانية للهجرة ، عقد النبي ن صلى الله عليه وآله وسلم ، اللواء الأبيض وسلمه لحمزة بن عبد المطلب ، وجعل سعد بن عبادة الخزرجي على المدينة وخرج في ستين رجلا من المهاجرين . لاعتراض المشركين ، ولما وصل إلى " ودان " كانت قافلة قريش فاتته فلم يحصل قتال ، لكن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عقد صلحا مع بني ضمرة ، على أنهم لا يغزونه ولا يعينون عليه عدوا ، وبالمقابل فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم . كذلك خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الأول ، مع مئتي رجل من المهاجرين ليعترض قافلة تجارية ، عليها أمية بن خلف في مائه رجل ن فلم يراها لأنها قد فاتته ، فعاد من هذه الغزوة ن التي سميت بغزوة " بواط " إلى المدينة بحفظ الله ورعايته . وفي غزوة " العشيرة " ، خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في جمادى الأولى ي مئة وخمسين رجلا من المهاجرين ، ليعترض عيرا لقريش ن عليها أبو سفيان بن حرب الأموي ، وغيره من المشركين ، حتى وصل العشيرة ، فلم يجد هذه القافلة التجارية ، لأنها غادرت المكان قبل وصوله ، والتي كانت السبب المباشر لحرب يوم بدر الكبرى . وفي جادى الثانية ، خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في بعض أصحابه ، في طلب كرز بن جابر الفهري ، الذي غزا المدينة وسرق ماشيتها ، حتى وصل إلى " صفوان " لكن كرز استطاع الفرار فعاد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم دون حرب . وبعد عودة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من غزوة بدر الأولى وفي شهر رجب ، بعث عبد الله بن جحش في سرية ، عدد رجالها ثمانية فقط ، وزوده بكتاب ، أمره أن لا ينظر فيه إلى بعد مسيرة يومين ، وخرج عبد الله ومعه رفاقه حتى مضت المدة ففتح الكتاب ، وإذ به يأمره أن ينزل " نخلة " ليرصد قريش ويعلم أخبارها فقط ، وفي نخلة مرت بهم قافلة قريش ، فيها عمرو بن الحضرمي وغيره ، فأطل عليهم أحد المسلمين فرآه المشركون ن فقالوا : إن هؤلاء معتمرون ، فاتفق عبد الله بن جحش مع أصحابه على قتال المسلمين في الشهر الحرام ، فكان إن انهزم المشركون ن وغنم المسلمون تجارتهم وأسروا رجلين ن وعندما عاد عبد الله بن جحش إلى المدينة ، وأعلم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بما كان ، استنكر عمل عبد الله ن لأنه لم يأمره بقتال المشركين ، أما قريش فقد قالت : إن محمدا وأصحابه أستحلوا الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم ، لكن الله سبحانه وتعالى أيد عبد الله وأصحابه فأنزل قوله
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ؟ قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل
فقبض عندئذ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول الحكم الإلهي الغنائم والأسيرين