اعلم أن لأبى الدرداء زوجتين كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء، وهما كبرى وصغرى، فالكبرى صحابية، والصغرى تابعية، واسم الكبرى خيرة، بفتح الخاء المعجمة، واسم الصغرى هجيمة بضم الهاء، وفتح الجيم، وبعدها ياء مثناة تحت ساكنة، ثم ميم، ويقال: جهيمة بنت حيى الوصابية، والوصاب بطن من حمير.
مكانتها
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : كانت فقيهة عالمة عابدة مليحة جميلة واسعة العلم وافرة العقل روت الكثير عن أبي الدرداءعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداءقال ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء أخذت القراءة عن زوجها، وأخذ القراءة عنها عطية بن قيس ويونس بن هبيرة، و إبراهيم بن أبي عبلة وقال: قرأت القرآن عليها سبع مرات(
قال البخاري في صحيحه في أبواب صفة الصلاة: وكانت أم الدرداء فقيهة. واتفقوا على وصفها بالفقه، والعقل، والفهم، والجلالة ، وهى أم بلال بن أبى الدرداء،. روى لها مسلم في صحيحه و روى عنها خلائق من كبار التابعين
عن عبد ربه بن سليمان بن عمر قال: كتبت لى أم الدرداء في لوحي فيما تعلمني: تعلموا الحكمة صغارًا تعلمونها كبارًا، وإن كان زراع حاصد ما زرع من خير أو شر
وعنها عفا الله عنها، قالت: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، وإن صليت فهو من ذكر الله عز وجل، وإن صمت فهو من ذكر الله عز وجل، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله عز وجل، وكل شر تجتنبه فهو من ذكر الله عز وجل، وأفضل ذلك تسبيح الله عز وجل
وقال عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه عن أم الدرداء قالت : قال لي أبو الدرداء : لا تسألي أحدا شيئا فقلت : إن احتجت قال : تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم فخذيه واخلطيه ثم اطحنيه وكليه
عن عثمان بن حيان قال أكلنا مع أم الدرداء طعاما فأغفلنا الحمد لله فقالت يا بني لا تدعوا أن تؤدموا طعامكم بذكر الله أكل وحمد خير من أكل وصمت
الوفاء بالعهد
وفى تاريخ دمشق أن أم الدرداء الصغرى، قالت لأبى الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة. قال: فلا تنكحي بعدى، فخطبها معاوية بن أبى سفيان، فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصوم.
فضل عبادتها وزهدها
قالت: أفضل العلم المعرفةعن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قلت لأم الدرداء ادعي لنا قالت: أو بلغت أنا ذلك؟وعن ميمون، قال: ما دخلت على أن الدرداء في ساعة الصلاة إلا وجدتها تصلىيونس بن ميسرة بن حلبس قال: كنا نحضر أم الدرداء وتحضرها نساء متعبدات يقمن الليل كله حتى إن أقدامهن قد انتفخت من طول القيامقالت أم الدرداء: الدنيا أسحر لقلوب العابدين من هاروت وماروت، وما آثرها عبد قط إلا أضرعت خده
عن أبي عمران الأنصاري قال: كنت أقود دابة أم الدرداء فيما بين بيت المقدس ودمشق فقالت لي: يا سليمان أسمع الجبال وما وعدها الله عز وجل فأرفع صوتي بهذه الآية " ويوم نسير الجبال " سورة الكهف آية 4وعن أم الدرداء قالت: إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة، أما تجد لها قشعريرة؟ قال: بلى. قالت: فادع الله إذا وجدت ذلك، فإن الدعاء يستجاب عند ذلكسعيد بن عبد العزيز قال: أشرفت أم الدرداء على وادي جهنم ومعها إسماعيل بن عبيد الله فقالت: يا إسماعيل اقرأ فقرأ " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون " سورة المؤمنون آية 115 فخرت أم الدرداء على وجهها وخر إسماعيل على وجهه فما رفعا رؤوسهما حتى ابتل ما تحت وجوههما من دموعهماوأتاها رجل، فقال: قد نال منك رجل عند عبد الملك، فقالت: أن نؤمن بما فينا فطالما زكينا بما ليس فينا
وقالت لرجل يصحبهم في السفر: ما يمنعك أن تقرأ وتذكر الله عز وجل كما يصنع أصحابك؟ قال: ما معي من القرآن إلا سورة، وقد رددتها حتى أدبرتها، فقالت: وإن القرآن ليدبر؟ ما أنا بالتي أصحبك إن شئت أن تقوم، وإن شئت تتأخر، فضرب دابته وانطلق
وقال إسماعيل بن عبيد الله : كان عبد الملك بن مروان جالسا في صخرة بيت المقدس وأم الدرداء معه جالسة حتى إذا نودي للمغرب قام وقامت تتوكأ على عبد الملك حتى يدخل بها المسجد فتجلس مع النساء ومضى عبد الملك إلى المقام فصلى بالناس.
وكان عبد الملك كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق
كانت لأم الدرداء حرمة وجلالة عجيبةوعن عبد ربه بن سليمان قال : حجت أم الدرداء سنة إحدى وثمانينوطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد
وفاتها
قال ابن حبان في الثقات كانت تقيم ستة أشهر ببيت المقدس وستة أشهر بدمشق ماتت بعد سنة إحدى وثمانين