من رحمة الله بعباده أن فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة وهي إكرام من الله للمؤمنين،
فإن ثمار الصلاة وأسرارها مما يصعب تعداده وحصره، يقول سبحانه وتعالى: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»، فهي مانعة بإذن الله لمن داوم عليها من المخالفات
والمعاصي والفواحش والمنكرات، وفي هذا غاية الصلاح للعباد والبلاد، وفيها إقامة ذكر الله تعالى
وفي هذا من إسعاد الروح وإبهاج القلب وانشراح الصدر ما لا يخطر ببال ولا يدور بخيال.
وفي الصلاة أمن وسكينة، لأن المصلي يتّصل بالقوي العظيم ـ جل في علاه ـ فيجبر كسره ويقوي
ضعفه ويصلح باله ويدافع عنه، وفي الصلاة عون على أمور الدنيا ودفع همومها وغمومها
وأحزانها، كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ»، ومنه قوله صلى الله
عليه وسلم لبلال: «أَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ يَا بِلاَلُ»، ففي الصلاة راحة الضمير واستقرار القلب والأمن
الداخلي والهدوء النفسي، عرف ذلك من عرفه وجربه من جربه.
بل إن الرزق الواسع مع الصلاة؛ يقول تعالى: «وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى»، ثم قال: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى»، فصارت الصلاة في الإسلام لمصلحة العباد في الدنيا
والآخرة وصارت سببًا لنيل رضوان الله والفوز بثوابه وسببًا لدخول جنته وطريقًا إلى السعادة
والحياة الطيبة، ولهذا فرضت الصلاة في الحضر والسفر والصحة والمرض وحتى في وقت الخوف
واشتداد القتال في المعركة وما هذا إلا لعظيم أثرها وجليل نفعها وكبير فائدتها وما فيها من الثمار
اليانعة والقطوف الدانية والخيرات المتتابعة في النفس والجسم والعقل والأهل والحياة عمومًا ثم
في جوار رب العالمين في جنات النعيم.
ولهذا قال بعض الأدباء: مسكين الذي لا يصلي إنه صفر في هذه الحياة لا قيمة له ولا مكانة ولا
نفع ولا أثر، لأنه قطع الصلة بينه وبين الله، مسكين الذي لا يصلي إنه وصل إلى جدار الانهيار
وسور الانتحار مع غضب الجبار ومقت القهار، إن الذي لا يصلي مفلس من الزاد الروحي والمدد
الإيماني والعطاء الرباني والفتوح الإلهية والمعارف النبوية، لأنه لما ترك الصلاة انقطع عن
مصدر القوة والغنى والمجد والشرف والسؤدد، لأن الصلاة اتصال الفقير بالغني والضعيف بالقوي
والميت بالحي والفاني بالباقي، فإن لم يصلِّ الإنسان بقي في ضعفه وفقره وفنائه وذله مع المقت
وسوء البصيرة، فالفلاح مع الصلاة الخاشعة المطمئنة كما قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ».
وقد سمى الله عز وجل أداء الصلاة قيامًا فقال: «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ»، فالقيام بها غير أدائها،
لأن القيام يقتضي الإتيان بالصلاة على أكمل وجه وأتم حال من استيفاء الأركان والواجبات
والإتيان بالسنن والمستحبات مع الخضوع والخشوع، فإذا أدى المصلي الصلاة على هذه الكيفية
فقد أقامها، وهذه الصلاة بعينها هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
ولهذا يسأل بعض الناس: كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر ونحن نرى من المصلين من
يقع في الفحشاء والمنكر من أكل الربا والسحت والكذب وشهادة الزور وعقوق الوالدين وارتكاب
الكبائر ونحوها؟ فأين نهي الصلاة لهؤلاء عن الفحشاء والمنكر؟
والجواب أن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة الشرعية المقبولة المؤداة على
السنة قولاً وفعلاً وحضورًا وخشوعًا، وهي التي تثمر الخشية والإنابة بتقوى الله ومراقبته
والخوف منه والقيام بأمره والانتهاء عن نهيه، أما مجرد القيام بحركات وسكنات بلا قلب حاضر
ولا نفس خاشعة ولا عقل متدبر فنفعها قليل وأثرها ضعيف، ولهذا حصل من هؤلاء ذنوب كبيرة
وأخطاء جسيمة؛ لأنهم لم يحسنوا الصلاة ولم يقيموها كما أمر الله بها، فلم يحصل لهم الانتفاع
بها.
فمن أراد أن يقطف الثمار اليانعة من الصلاة فليجتهد غاية الاجتهاد في الإتيان بها على ما أمر الله
به وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال في الحديث الصحيح: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»،
ولما سلَّم عليه الرجل المسيء صلاته قال له مرارًا: «صلِّ، فإنك لم تصلِّ».
فهنيئا للمصلِّين الصادقين الخاشعين المنيبين وطوبى لهم وقرة عين لهم، فقد أدركوا المطلوب
ونالوا المرغوب ونجوا من المرهوب وفازوا برضوان علام الغيوب وحصلوا على إصلاح القلوب
وغفران الذنوب.