جاء رجل لابن عباس رضي الله عنهما, وقال له: إني اريد ان آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر, فقال له: إن لم تخش ان تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالي, فافعل, وإلا فابدأ بنفسك. قال الرجل وما هي؟ قال: قوله تعالي أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وقوله تعالي يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون, وقوله وما أريد ان اخالفكم إلي ما أنهاكم عنه فقال الرجل: أبدأ بنفسي.
هذا الموقف ـ كما يوضح الدكتور محمد محمد داود الاستاذ بجامعة قناة السويس, يحمل دلالات هادية لأهل الدعوة والارشاد, منها: أهمية القدوة الصالحة والأسوة الحسنة فيمن يتصدي للدعوة, فعلي الداعية ان يبدأ بنفسه حتي يكون كلامه موافقا لحاله.. علاوة علي الاسلوب الحكيم في الإقناع والذي يقوم علي بيان الحجة البالغة التي تستند إلي آيات القرآن الكريم, وهكذا نتعلم من الصحابة الاسلوب العلمي في التفكير ومعالجة الافكار واقامة الحوار. فالعلم حقائق توصل اليها بالأدلة الصحيحة بعيدا عن الهوي, وهكذا ينبغي ان يكون حال اهل الدعوة في معالجة الأفكار والمشاعر بأسلوب مقنع يقوم علي تقديم الدلائل والبراهين, وان نثير انتباه العقل إلي الحقائق النافعة, وان نلفت نظـر المحاور إلي النتائج المترتبة علي رأيه.
وليس من شأن العاقل ان يأمر الناس بالبر والخير ويهمل نفسه, وهذا ما نعاه القرآن في قوله أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم, كما أنه في قوله تعالي يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لاتفعلون إنكار علي من وعد وعدا أو قال قولا ولم يف به لأن ذلك من علامات النفاق. أما الآية الثالثة التي ذكرها ابن عباس وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت...