آه لو أملك غيره
...... أتدري ياساجد ما الفرق بين النفاق والمجاملة .
ساجد : لم أفكر يوماً بالفرق بينهما ولم أقرأ لأحدٍ كلاماً عن هذا الموضوع ، لكن ربما يمكننا القول : أن كلمة المجاملة لم تكن موجودة
عند السلف الصالح ، ,إنما أقحمت إلى قاموسنا المعاصر إقحاماً وربما
استوردناها من الغرب كما نستور كل شيء .
أحمد :إذن يا شيخ ساجد إنك ترى فرقاً بينهما ؟
ساجد: الفرق بينهما دقيق جداً ولهذا يطلق الناس إحدى الكلمتين على الأخرى ،
فالمجاملة : فيما اعتقد أن تتحبب إلى إنسان وتصفه بما فيه.
والنفاق : أن تصف إنسانا بما ليس فيه خوفاً منه أو طمعاً فيما عنده
من نوال .
ولا أحيد عن الصواب إن قلت أن الناس اليوم يطلقون كلمة المجاملة
على النفاق ويصبغونه بصبغة المجاملة للتخفيف من الحرج أمام الناس
، لأن كلمة النفاق مكروهة عند الناس فالقرآن والسنة نبها على خطر النفاق على المجتمع ، فإذا نافق لإنسان ما وكال المديح بلا رقيب
ولا حياء فإنه يعتذر عن وقاحته هذه قائلاً بلهجته العامية :
" شو نساوي لازم نجامل حتى يمشي شغلنا " .
أحسنت يا شيخ حسن .... لكن هيا بنا نسرع الخطى فقد تأخرنا على موعد الاحتفال اليوم .
حسن : لحظات وأكون جاهزاً للانطلاق ، ولكن أتعلم لمن تكون كلمة
الحفل اليوم .
ساجد : لا أدري و أريد أن أعرف ، لأن الكلام نفسه يجتره المتكلم كل سنة
...............................
بدأ الحفل بكلمات ...... أيها السادة ، أيها الحضور ....
الشكر الجزيل والفضل العميم والخير المطير والنوال المستفيض لشيخنا
ومولانا وولي نعمتنا وحيد عصره وفريد دهره العلامة ...................
" صاحب الأيادي البيضاء على العلم والعلماء و..... و....... و.....
واوات بلا نهاية وأوصاف بلا غاية وكلمات مرصوفة كحبات عقد ومرتبة كترتيب برج " لا أدري كم تعب هذا المسكين في انتقاء هذه الألفاظ وإلى كم قاموس رجع وعلى كم شخص عرض كلماته حتى لا يبقى فيه حرف
(شاذ عن هذه المنظومة ) يخدش كبرياء الموصوف ويطعن في مقامه
العالي ويقلل من من هيبته في المجتمع " وتابع قائلاً
يا سيدي نحن عبيدك و ........ لولا وجودك لاضطربت أحوالنا ومادت
سفننا وأحاط بنا الجهل من كل جانب وكنا نتخبط خبط عشواء .
حسن : اتسمع يا ساجد ..... إلى هذا الكلام المنمق المرصوف .
ساجد : انتظر حتى يفيض ويستفيض ويصول ويجول لأنه فارس هذه
الميادين وصاحب قصب السبق .
أمرنا بما شئت واطلب منا ما شئت ، فأنت أدرى بمصالحنا ، ,اعلم بما يفيدنا ، فكر عنا فإنا لا نحسن التفكير وتفضل علينا فإنا لا نحسن التدبير ، سيدي يكفيني فخراً أنني أتكلم أمامكم .
حسن : يا شيخ ساجد مذا يقول هذا الطبل .
ساجد : اسكت يا حسن لن تمتع سمعك بمثل هذه الكلمات في مكان آخر .
حسن : اطمئن يا ساجد ، لقد كثروا في هذه الأيام حتى ضاقت بهم ذرعاً
وملتهم الأرض ، اسمع اسمع ها هو يتابع .....
نحن نعلم يا سيدي أن وقتكم ثمين جداً ففي كل لحظة لديكم من الأعمال والأفكار التي تفيد البلد والناس والعلماء ما نعجز " نحن البسطاء"
عن التفكير فيه ولا يخطر على بالنا .
كم أنت كريم يا سيدي بتفضلك لتحضر وترعى هذا الحفل الميمون ، اسمحوا لي سيدي أن أقدم لكم أحد تلاميذكم الصغار الذين تربوا على موائد علمكم ونهلوا من أنهار فكركم ودرس في جامعات مجدكم الدكتور
......................
الحمد لله يا ساجد لقد انتهى ، هذا المتكلم ، لقد كاد أن يثقب أذني بكلماته الرنانة ، وجمله الرصينة .
الحقيقة يا حسن ، هؤلاء هم المرغوب فيهم و هم المطلوبون في هذه الأيام ، ينفخون في هؤلاء بهذه الكلمات حتى يغدو أحدهم طبلاً حقيقياً ،
حسن : اسمع يا ساجد هاهو عاد للكلام مرة أخرى !!!!
أيها الحفل الكريم : لقد مضى الحفل ولم نشعر به وكأنه لحظات بل ثوان ثم التفت إلى هذا السيد : يا سيدي إنه وجودكم الذي أطفى على الحفل هذا الجمال وجعله خفيفاً على قلوب الناس ، قصيراً كسالفة الذباب ،
جميلاً كلحظات عاشق سرقه الوقت مع حبيبه ، والسلام عليكم .
حسن : الحمد لله يا ساجد انتهى الحفل وغاضت معه آخر ينابيع الكلام
أتعلم يا ساجد ل، أحضر مرة أخرى مثل هذه الحفلات التي لا تنفع ولا تضر .
ساجد : لا تخطئ يا حسن بل تضر ولا تنفع .
انطلق ساجد فسأله حسن : إلى أين يا ساجد ؟
ساجد إلى هذا المتكلم الذي سلقنا بهذه الكلمات . نادى ساجد الرجل
يا فلان ، يا فلان . فلم يعره انتباهاً ، ثم ناده يا فلان إن السيد يدعوك
فأقبل الرجل يجر أذيال الفخار كمن انتصر في معركة أو نال جائزة كبرى
ساجد للرجل : ماذا دهاك يا رجل؟ لم كل هذا النفاق ؟ ولم كل هذا الدجل ؟
تعلم : لو أنني أملك غير هذا الحذاء لسددت به فمك واغلقته لك إلى الأبد ، ولكنني محتاج إليه للذهاب إلى البيت .
لكن حسن جذبه إليه قائلاً تعال يا ساجد الكلام معه لا طائل منه .
ساجد : هذا وأمثاله يستحقون أكثر من هذا يجملون الباطل ويشوهون
وجه الحقيقة .
حسن : المهم يا ساجد انهينا ........... إلى اللقاء ...إلى اللقاء
بعد أسبوع أقيم حفل آخر وكان حسن وساجد واقفين مع بعض الأصدقاء
يتجاذبون أطراف الحديث مر بهم ذلك الرجل المكلام فقل لساجد أتدري
يا ساجد أن الكلمة اليوم لي ، فرد ساجد بلا تردد " ولا يهمك حذائي
في الخدمة "
يوسف سيلو
العين 27/ 9 2010