قصة قصيرة .....الحقيقة الضائعة
أعشق الحلم ، وأهيم في ملكوته ،اللامحدود..لا يهم إن كانت أحلامي طوباية،أوملامسة لأرض الواقع ..فأرض الواقع ،أولا وأخيرا هي كائنة ودائمة ..هي أحلام إنسان بسيط يتمنى أن يكون له أسرة صغيرة ،وأن يجد فتاة ذات أخلاق عالية وسلوك مقبول يبني معها صرح بيت سعيد . مقابل كل هذا كان علي أن اعيش الواقع بكل حذفيره وأتكيف مع وضعي المادي والمعنوي وأسطر صفحات حياتي بشكل معقول ..يجعلني إنسانا حقيقيا متصالحا مع نفسه ومع واقعه مؤمنا بصدق قضيته ومدركا لحقيقة وجوده .
في كل مرة أجدني غير قادر على استيعاب الكم المتجدد من المفاهيم السائدة والمنتشرة بين أفراد المجتمع ، فألجأ إلى عزلة اِختيارية، وخلوة اِحترازيةمع الذات لاستكناه حقيقة الأمر وفهم الواقع بحذفيره .
عندما التقيت خديجة في معرض الكتاب ، أحسست بتناغم جميل بين فتنة الحلم وجاذبية الواقع واكتشفت أن الحب يمكن أن يطرق باب القلب في أي لحظة دون اِستئذان فيغير الكثير من مجريات الأحداث ..خديجة كانت مجرد فتاة عادية ذات جمال متوسط ، لكن لغتها كانت رقيقة وحانية فيها الكثير من ملامح الدفء ووهج الشوق ،شخصيتها كانت جذابة ومؤثرة بشكل كبير في محيطها.
كان حديثنا في بداية الأمر عابرا وعاديا، لكنه سرعان ما تطور بشكل سريع ليصبح حديثا ذا شجون ، وتحرك القلب بين الجوانح وسارت خديجة ذات أهمية قصوى في حياتي .لم تكن هي تدرك هذه الحقيقة ،أوتعيها ، بل كانت تظن أن ما يجمعنا هو تلك العدوى الثقافية التي تجمع عادة بين المثقفين وعاشقي الإبداع دون أن يخطر ببالها أن الحب هو وقود الإبداع وأهم حافز له .
حاولت أن أُلمّحَ لخديجة وأكشف عن دواخل الذات ولواعج الفؤاد، لكنها كانت لا تأخد كلامي على محمل الجد ، وتعتبره لغوا وسقط كلام ليس إلا، تجرأت في لحظة صفو وقلت لها بصوت عال :
-أحبك
فردت بابتسامة غامضة ولم تقل شيئا ..قلت :
-الصمت علامة الرضا
حملقت بي لحظة ثم زوت مابين حاجبيها وقالت :
-كم هي جميلة هذه الكلمة لها في الأذن رنين وفي القلب طنين ، لكن هل تحبني كشيء أو كفكرة ، أو كخاطر ؟؟
نظرت إليها باستغراب وقلت
-كلامك غامض وسؤالك محيّر
ابتسمت وهي تضم يديها إلى بعضهما وردت بصوت منفعل :
-كلامي واضح،وسؤالي أكثر وضوحا ، فالحب لم يكن يوما مجرد كلمة نرددها دون أن ندرك معناها ونحدد أبعادها.
قاطعتها :
-أعترف بأنني لم أفهم شيئا
تابعتْ:
-الحب ليس لحظة متعة ذهنية أو جسدية سرعان ما تخبو إذا ما اعترضها أول مطب
همست لها بصوت حاولت أ جعله حميما :
-أنا مجرد إنسان عادي يبحث عن شريكة لحياته ..أ ظنك هذه الشريكة
ظلت صامتة تحملق بي ، وتابعتُ كلامي :
-أعرف أن لك فلسفة عميقة في الحياة ، وأن نظرتك للأمور تتجاوز الرتابة القاتلة التي تفرض نفسها ضيفا ثقيلا على عالمنا .
قاطعتني ضاحكة :
-ألا تسأل نفسك عن حقيقة وجودي ؟؟
أمسكت يديها وضغطت عليهما بحنو وقلت :
-أنت موجودة ، من يستطيع أن يقول العكس؟؟؟
واصلت كلامها برنة ساخرة:
-موجودة!!.فسر ذلك؟؟ ربما كنت مجرد فكرة تراود خيالك ، أو خاطر يسكن وجدانك ؟؟
اعترضت على كلامها قائلا :
-أنت موجودة وراسخة في الوجود ، "لأنك الحقيقة"
ردت بصوت مشوب بالشجن
-أنا الحقيقة الضائعة وستظل تطاردني دون جدوى.
ضممتها إلى صدري بقوة و أغمضت عيني ثم قلت :
-أحبك لأنك أنت هي أنا ، وأنا هو أنت
عندما فتحت عيني كنت وحيدا ، أضم إلى صدري رواية "الحقيقة الضائعة" التي اقتنيتها من معرض الكتاب .
محمد محضار فبراير 2014