الألوان تتماوج امام عيني في حركات تلاحقية, الأحمر البنفسجي, الكاكي, القمحي وألوان اخرى, لساني يتجول على ضفتي شفتي دون توقف, درجة حرارتي ترتفع, أصوات غريبة تنطلق في أعماقي , أحس بمغص في بطني , وألم في رأسي, نظراتي زائغة تلاحق اجسام الحسناوات المارات امام المقهى, إرتباكي أفرغه في مداعبة منفضة السجائر بأناملي . حنين وشوق كبيران الى أشياء قديمة, يرسمان معالمهما على سحنتي.
مريرة هي اللحظات , وثقيلة تمر, وانا أزدرد كومة حزن واكتئاب.
شحاذة عجوز , تقوس ظهرها وضمر جسمها -سمعت احد رواد المقهى يهمس لصديقه في شأنها "لقد كانت شيخة كبيرة ..انظر ما حل بها " - تمد لي يدها المغضنة ولسانها يسترحم , أشمئز من منظرها لكنني أنقذها بضعة سنتيمات.
صمت أيام رهيبةقد ثوت ينزل بكل ثقله على رأسي..تعلق نظراتي الزائغة بحذائي المحمل بغبار البادية التي أدرس بها ..قبل لحظة من الآن غازلت فتاة , فقالت لي بصوت ساخر " سير ديها غير في صباطك الموسخ"ثم ركبت سيارة كانت تلاحقها من الخلف , يظهر ماسح أحذية صغير السن على حين غرة, أسلمه حذائي كي يلمعه, يشتغل الصبي بكل عناية وجد ..بعد برهة انظر الى حذائي بكل اعجاب.
أترك مكاني بالمقهى , أشق طريقي بين شوارع المدينة , بخطو تائه لا يرسو على إتجاه. المدينة تعيش مهرجان الغروب, الشمس ثملة تعب كؤوس الشفق , معانقة الافق باستسلام ..وخيوط الظلام تتسرب بتتابع الى السماء..
ساهيا أمشي , تصطدم قدماي المتخاذلتان بصندوق قمامة , تنط منه قطة سوداء , تسرع هاربة ومواءها يكسر السكون , رعشة اشمئزاز تعتري جسدي النحيف, القطط السوداء فأل شؤم..هذاما رددته امي على مسامعي باستمرار ابان طفولتي , أقرأ البسملة وأتابع سيري..
البرد يلفع وجهي, يلسعني في أرنبة انفي..خطاي تصبح حثيثة..أصل البيت الذي أتقاسمه مع صديقي عزوز , المشتغل باحدى ثانويات المدينة ..أدلف الى الداخل ..مصباح غرفة عزوز مضاء ..ألجها ..عزوز صحبة صديقته ارحيمو التي تدرس صحبته . كانا يحتسيان كؤوس الراح..ألقي اليهما بالتحية , ثم انثني خارجا , صوت ارحيمويطرق أذني :
- ألا تشرب معنا كأسا ..ولو لمرة واحدة؟؟
- تعلمين انني لا أشرب أو أدخن ..
يعلق عزوز ساخرا:
- بوركت ايها المتصوف المخذول..
أ بتسم دون ان ارد , ثم أخرج..تحتويني غرفتي ..استلقي على السرير تضطرب الخواطر في صدري ..تقبل الكلمات والعبارات على زورق الماضي و تتزاحم عند بوابة ذهني , تنتابني الرغبة المعتادة في الاحتراق على الورق, أهرع الى مكتبي ..أصب حبر قلمي على القرطاس , أكتشف انني أتحول الىألفاظ ناطقة تشع بالكآبة , كم امقت الكآبة لكنها تفرض نفسها ضيفة ثقيلة على كل ماأكتب............
محمد محضار 21/10/1985
مدينة وادي زم