تأتي هذه المناسبة الطيبة- الإسراء والمعراج- لتذكرنا بفضل رسول هذه الأمة على جميع الأنبياء، وبفضل هذه الأمة على سائر الأمم؛ إذ اختص رسولها- صلى الله عليه وسلم- برحلة الإسراء والمعراج، والتي رأى فيها من آيات ربه ما رأى.
رأى ما لم يره غيره من الأنبياء والرسل، وكان فضل الله على هذه الأمة عظيمًا إذ فرضت الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام.
قال جل في علاه:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء:1).. فقد أُسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً من مكَّةَ الى المسجدِ الأقصى، حيث تضمنت الرحلة مرحلتين.. الإسراء ثم المعراج.
متى كان الإسراء؟
في السنةِ الخامِسَةِ قبلَ الهجرةِ على ترجيح أكثر العلماء، فقد جاءَهُ جبريلُ ليلاً إلى مكَّةَ وهو نائمٌ ففتَحَ سَقْفَ بيتِهِ فأيقظَهُ جبريلُ ثم أركبَهُ على البُراقِ خلفَهُ وانطلقَ بهِ.
وقد كانت هذه الرحلة تكريمًا له صلى الله عليه وسلم وأمته بهذه الرحلة المعجزة والتي فرضت فيها الصلاة التي هي ركن من أهم أركان الإسلام وظهر في هذه الرحلة ما لهذه الأمة من فضلٍ وما لرسولنا من فضل.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "أتيت بالبراق (وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل. يضع حافره عند منتهى طرفه) قال، فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال، فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء. قال، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين. ثم خرجت. فجاءني جبريل عليه السلام بإناءٍ من خمرٍ وإناءٍ من لبن. فاخترت اللبن. فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة".
بعض أحداث الرحلة
شق الصدر
يروى البخارى عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما: أن نبي الله- صلى الله عليه وسلم- حدَّثهم عن ليلة أسري به: "بينما أنا في الحطيم، وربما قال في الحجر، مضطجعًا، إذ أتاني آت فقد- قال: وسمعته يقول: فشق- ما بين هذه إلى هذه- فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته- فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانًا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد.."
البراق: ركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- البراق خلف جبريل عليه السلام والبراق هذا دابة من دواب الجنة ذات لون أبيض طويلٌ يضَعُ حافِرَهُ حيثُ يَصِلُ نظرُهُ.
يقول صلى الله عليه وسلم: "ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض- فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه".
في بيت المقدس
روى النسائي بسنده عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال "..ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل عليه السلام حتى أممتهم..".
في السماء الدنيا
يقول صلى الله عليه وسلم: "فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح".
وفى رواية: "ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: مَن هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجلٌ قاعدٌ، على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى".
في السماء الثانية
"ثم صعد حتى إذا أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردًا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح....".
في السماء الثالثة
"ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح...".
فى السماء الرابعة
"ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إلى إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ....".
فى السماء الخامسة
"ثم صعد بي، حتى إذا أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح...".
في السماء السادسة
"ثم صعد بي حتى إذا أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمتُ عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلامًا بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي...".
عن ابن عباس قال: ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين أُسري به فقال: "موسى آدم طوال. كأنه من رجال شنوءة". وقال: "عيسى جعد مربوع" وذكر مالكًا خازن جهنم وذكر الدجال. (مسلم266 - (165)).
عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام. رجل آدم طوال جعد. كأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق. إلى الحمرة والبياض. سبط الرأس". وأري مالكًا خازن النار، والدجال. في آيات أراهن الله إياه. ﴿فَلا تَكُنْ فِي مِرْيةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ [32/ السجدة/آية 23]. قال: كان قتادة يفسرها أن نبي الله- صلى الله عليه وسلم- قد لقي موسى عليه السلام. (مسلم/ 267).
في السماء السابعة
"ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه، قال: نعم، قال: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه فرد السلام، قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح".
وفي رواية مسلم عن أنس "ثم عرج إلى السماء السابعة. فاستفتح جبريل. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل. وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، مسندًا ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه".